نشأة التقويم الهجري
التقويم العربي قبل الإسلام
كان العرب في الجزيرة العربية يتبعون الحساب القمري ويعتمدون في ذلك على الرؤية البصرية للهلال ابتداء من مشاهدته لأول مرة في الشهر إلى مشاهدته ثانية في بداية الشهر التالي وعدة الشهور عندهم 12 شهراً ذلك لأنهم يعلمون أن الفصول تعود إلى وضعها بعد مرور 12 مرة من أوضاع القمر.
تأسيس التقويم الهجري
يروى في كتب السير و التاريخ أنه في السنة السابعة عشرة للهجرة كتب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري عامله على البصرة وذكر في كتابه شهر شعبان فرد أبو موسى الأشعري أنه يأتينا من أمير المؤمنين كتب ليس فيها تاريخ وقد قرأنا كتاباً محله شعبان فما ندري أهو شعبان الذي نحن فيه أم الماضي. فجمع الخليفة عمر الصحابة وأخبرهم بالأمر وأوضح لهم لزوم وضع تاريخ يؤرخ به المسلمون فأخذوا في البحث عن واقعة تكون مبدأ للتاريخ المقترح فذكروا ولادته صلى الله عليه وآله وسلم ومبعثه و وفاته ، لكن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أشار بجعله يوم هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة ، فراقت الفكرة للخليفة عمر وسائر الصحابة فأرخوا بها ، ثم بحثوا موضوع الشهر الذي تبدأ به السنة واتخذوا شهر محرم بداية للسنة الهجرية مع أن الهجرة النبوية الشريفة وقعت في شهر ربيع الأول وذلك لسببين هما :
1/ شهر محرم هو الشهر الذي استهل بعد بيعة العقبة بين وفد من أهل يثرب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أثناء الحج في شهر ذي الحجة فكأن الهجرة بدأت في ذلك الوقت فقد أذن بها صلى الله عليه وآله وسلم وكان أول هلال يهل بعد الأذن هو شهر محرم.
2/ أن شهر محرم كان بدء السنة عند العرب قبل الإسلام ولأنه أول شهر يأتي بعد منصرف الناس من حجهم الذي هو ختام مواسم أسواقهم.
هجره الرسول
في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل سنة 570 ميلادية كان مولد النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - ولما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - الأربعين سنة، بعثه الله بشيراً ونذيراً ورحمة للعالمين في وقت وحينٍ كان الضلال منتشراً و تحريف الديانات بالشرك والوثنية وفي تحدث الرهبان والأحبار من النصارى واليهود بأنه قد حان الوقت لظهور النبي لآخر الزمان حسب ما يعلمونه في كتبهم وكانوا يعتقدون بأنه من إسرائيل وبعضهم يعتقد بأنه خارجاً بين بلاد مصر و الشام والعراق، وكانوا يجوبون الأرض بحثاً عنه وبحثاً عن أي دليل كي يلتحقوا به وحين بدء دعوته - صلى الله عليه وسلم - بدء بالدعوة سراً إلى الله فأسلمت جماعة قليلة من الرجال والنساء كانت أولهم أمنا خديجة وآل بيتها، واستمرت الدعوة السرية قرابة ثلاث سنين وكانت حصيلتها ما يقارب الأربعين رجلاً وإمرأة فقط وبرغم قلة عددهم كانوا تلك اللبنات القوية والعظيمة والشديدة الثبات التي قام عليها صرح الإسلام العظيم , وكانت تلك الدعوة تحتضن كل الشرائح من ضعيف وقوي، من غني وفقير ، من رجل وإمرأة ، من عبدٍ وحر وكان معظمهم من الشباب فالشباب أقدر على التأثر والتأثير , والمقاومة والتغيير, والتضحية والعطاء حتى بدأت مرحلة الجهر بالدعوة في السنة الرابعة للبعثة أي بعد ثلاث سنين حتى أمر الله نبيه أن يصدع بما جاءه من الحق ففعل .. ولاقى - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه صنوف الأذى والعذاب من مشركي مكة ما لا يحيط به وصف ولا بيان وكان من أبرزها حصار قريش للمسلمين في شعب إبي طالب وذلك في السنة الثامنة من البعثة حينها كانوا قد وضعوهم في مكان بين الجبال عقاباً لهم كي يتركوا دينهم وقبلها قد أشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه إلى الهجرة إلى الحبشة فراراً بدينهم من الأذى والتعذيب ..
وما لبث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السنة العاشرة للبعثه أن خرج للطائف إلتماساً لنصرة ثقيف , لكن الله لم يرد لأهل الطائف الكرامة فقد آذوه ورفضوا نصرته فرجع مكة ودخلها بجوار أحد المشركين المطعم بن عدي حتى دخلت السنة الحادية عشرة من البعثة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم , يقوم بدعوته لله لا يفتر عن ذلك , فلما اقترب موسم الحج من تلك السنة ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعد لدعوة الوفود والقبائل التي ترد مكة كما كان يفعل في كل عام منذ بدأ الجهر بالدعوة واستمر حتى تلك السنة فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما إجتمع الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من عند الله من الهدى والرحمة ولقد ظل يبحث عن أرض يقيم عليها دولة الإسلام حتى التقى في السنة الحادية عشرة بجماعة من أهل يثرب من الخزرج أراد لهم الله الخير والخيرة إلى يوم الدين .. فسارعوا إلى الإيمان به وصدّقوه ثم عادوا إلى قومهم يدعونهم إلى أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاستجابوا وقدموا إلى مكة في المواسم التالية وبايعوه في العقبة مرتين وسميت بيعة العقبة الأولى وكانت في السنة الثانية عشرة للبعثة فيها التقى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إثني عشر رجلاً قدموا من المدينة جاؤوا مسلمين مصدّقين فبايعهم - صلى الله عليه وسلم - وكانت البيعة تدور حول محور التوحيد والتوبة من المعاصي فلما انصرفوا ارسل النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابي مصعب ابن عمير - رضي الله عنه- معلماً لهم وراح مصعب يدعوا فيها عاماً كاملاً فأصبح كل بيت قد ذكر رسول الله حتى كانت البيعة الثانية فكانت في السنة الثالثة عشرة للبعثة وسميت بيعة العقبة الثانية لان خرج فيها عدد كبير من المسلمين من المدينة قارب حوالي ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين فالتقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عند العقبة وبايعوه عن قومهم على ان يهاجر هو وأصحابه إليهم ويقوموا بحمايته وحماية اصحابه ولا شرط مقابل ذلك إلا جنة الله ورضاه...
ومن أسباب الهجرة النبوية
1- شدة الأذى والاضطهاد الذي كان يتعرض له النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد أوذي الرسول إيذاء شديدا لم يتعرض له نبي من الأنبياء السابقين .. فقد تمادى إيذاء المشركون له لدرجة ينادونه بالمجنون كما قال الله تعالى: وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون. كانوا يقولون عنه انه ساحر كذاب ، كما قال تعالى : "وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب" .
فقد كانوا لا ينظرون له إلا نظرات كلها استحقار ، كما قال سبحانه :" وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون" ، ولعل من أكثر درجات الإيذاء التي واجهت الرسول الكريم :هو ما قام به ابا لهب وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم من تحريض عتبة وعتيبة أن يطلقا ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم رقية وام كلثوم لما جاء بالدعوة .
وتتوالى سلسة إيذاء ابا لهب للرسول الكريم فعندما توفي عبد الله وهو الابن الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم استبشر ابو لهب وقال لقومه : ابشروا فان محمدا قد صار ابترا يعني ليس له ولد يحمل ذكره من بعده . فنزل قوله تعالى :" إن شانئك هو الأبتر"، فقد حرض زوجته ابي لهب وهي أخت ابي سفيان على أن تحمل الشوك وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى بابه ، ولذلك وصفها القران الكريم بانها حمالة الحطب .
2- قبول أهل المدينة الإسلام ودخولهم فيه .
فقد عرض الرسول صلى الله عليه وسلم، في موسم الحج سنة 11 من البعثة ، وأثناء خروجه صلى عليه وسلم مع أبى بكر الصديق وعلي بن ابي طالب إلى منى فسمع أصوات رجال يتكلمون وكانوا ستة نفر من شباب المدينة وكانت تسمى يثرب ، فعرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام عليهم فاسلموا ، وحملوا الإسلام إلى أهل المدينة حتى لم يبق بيت من بيوت الأنصار الا وفيه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
الهجرة للمدينة :
الهجرة إلى المدينة كانت السنة الثالثة عشرة للبعثة. أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - اصحابه بالهجرة إلى المدينة ثم لحق بهم بعد التأكد من ذهابهم جميعاً وكان وصوله في الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الثالثة عشرة للبعثة وقد أتخذت هذه السنة فيما بعد مبدءاً للتاريخ الإسلامي ...
فقد كانت هذه الهجرة فرقاناً بين الحق والباطل والضعف والقوة مكنت سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم بإرساء أسس أول مجتمع قائم على شريعة القرآن الكريم ويقيم دولة العقيدة , فقد إكتملت في المدينة العبادات ونزلت في القرآن أحكام الإقتصاد ، ونظمت الأحوال الشخصية وقوانين العقوبات، ونظمت علاقات المجتمع المسلم مع سائر المجتمعات... وقد ساهم كل صحابي في هذا البناء المتكامل فأدى المهمات التي كلف بها ولعب دوره المتميز.... وتباينت الأدوار وفق المواهب والظروف.
وكان من أهم ما حدث بعد الهجرة هو قيام دولة الإسلام على أسس ثلاثة:
- بناء مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- ثم عقد الإخاء بين المهاجرين والأنصار وكتابة الصحيفة وكان كل ذلك في العام الأول الهجري
- ثم في العام الثاني كانت غزوة بدر الكبرى وكانت للعام الهجري الثاني .
ثم بعد ذلك كان إجلاء يهود بني " قينقاع " عام إثنان للهجرة ,,,, ثم غزوة اُحد للعام الثالث للهجرة ,,,, ثم إجلاء يهود بني النضير عام أربعة للهجرة ,,,, ثم غزوة الخندق (الأحزاب) للعام الخامس للهجرة ,,,, ثم صلح الحديبية للعام السادس للهجرة ,,,, ثم بدء الرسائل إلى الملوك والحكام للعام السابع للهجرة ,,,, ثم عمرة القضاء للسنة السابعة للهجرة ,,,, ثم فتح خيبر للعام السابع للهجرة ,,,, ثم معركة مؤتة للعام الثامن للهجرة ,,,, ثم فتح مكة للعام الثامن للهجرة ,,,, ثم غزوة حنين للعام الثامن للهجرة ,,,, ثم غزوة تبوك للعام التاسع للهجرة.
وفي السنة التاسعة للهجرة نزلت سورة براءة تنهي الوجود الوثني والإشراك إلى الأبد في الجزيرة العربية وتأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم حتى يعبدوا الله وحده لا شريك له وأن يبلغ حجاج المشركين في منى ما نزل من القرآن فبلّغوه قبائلهم , فأقبلت الوفود من مختلف أنحاء الجزيرة العربية لتبايع النبي على الإسلام ولذلك سمي ذلك العام بعام الوفود , وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرسل مع الوفود من أصحابه من يعلمهم أمور الدين وينشر الدعوة في أرضهم , ولقد كانت السنة التاسعة حركة دائبة وجهوداً متكاملة لنشر الإسلام وضمان استقراره فوق الأرض وداخل النفوس حتى حجة الوداع السنة العاشرة للهجرة وبعدها جاءت لحظة الفراق وأي فراق ,,,,,,, فها هي السنة الحادية عشر للهجرة وفي أواخر صفر من السنة الحادية عشر للهجرة إختار النبي - صلى الله عليه وسلم - لقاء ربه فما كان في المدينة يوماً أظلم من هذا اليوم لكنه خلّف لأمته سر الهدى ومفاتيح الإنتصار إنه كتاب الله القرآن الكريم وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وترك أمانة التبليغ ونشر الرسالة الأخيرة في أقطار الأرض في أعناق أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبايع المسلمون أبا بكر الصديق لخلافة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبدأت حينها الخلافة الراشدة لم تمض فترة قليلة على وفاته - صلى الله عليه وسلم - حتى إشتبك المسلمون في صراع رهيب مع الوثنية فيما عرف بحروب الردة وفي صراع مع الفرس والروم الذين وقفوا في وجه إنتشار التوحيد خارج الجزيرة العربية ولكن الرجال الذين رباهم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - نهضوا نهوض الابطال وقضوا على الردة وعلى الوثنية في جزيرة العرب إلى ان تقوم الساعة وإنطلقوا ينشرون التوحيد والحق والعدالة في ربوع الأرض وما هي إلا سنوات قليلة حتى ملء البر والبحر ولم يمض قرن من الزمان حتى انتشرت رسالة التوحيد لتعم قسماً كبيراً من المعمورة .
وفى شهر محرم يكون صيام عاشوراء
وما ورد في فضل صيامه :
- عن عبد اللَّه بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي اللَّه عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: " ما علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهراً إلا هذا الشهر - يعني رمضان -" .
- وفي لفظ: " ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء..".
- وعن أبي قتادة رضي اللَّه عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صيام يوم عاشوراء، أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله" .
في هذين الحديثين دليل على فضل صوم يوم عاشوراء، وأنه يكفر السنة التي قبله. والمشهور عند أهل العلم أنه إنما يكفر الصغائر فقط، أما الكبائر فلابد لها من توبة قال النووي رحمه الله: " يكفر كل الذنوب الصغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر ثم قال: صوم يوم عرفة كفارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه .
ما ورد في الأمر بصيامه :
وعن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: " قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجّى اللَّه فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه، فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" .
الدروس والعبر من الهجرة المباركة
إن الهجرة المباركة كانت درساً في الصبر والتوكل على الله تعالى ولم تكن طلبا للراحة ولا هرباً من العدو ولا تهرباً من الدعوة وأعبائها بل كانت بأمر من الله تعالى في وقت أشد ما تكون البشرية في ذلك الزمن إلى الهدي المحمدي فلقد أرسل الله خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشرية وهي أحوج ما تكون إلى رسالته، وأشدَّ ما تكون ضرورة إلى دينه، بعد أن صار الكثير من الناس في ظلمات الشرك والجهل والكفر، فأرسل الله عبده محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعاً، قال الله تعالى: قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوٰتِ وَٱلأرْضِ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَأمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِىّ ٱلأمّيّ ٱلَّذِى يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].
فوجدهم يعبدون آلهة شتى، منهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الأحجار والشمس والقمر والملائكة والجن، ويلجؤون إليهم في كشف الشدائد والكربات، ويرغبون إليهم في جلب النفع والخيرات، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ووجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الناس يتحاكمون إلى الكهان والسحرة والعرافين، ويغشون الفواحش والمحرمات، ويسيئون الجوار، ويقطعون الأرحام، ويكسبون الأموال لا يبالون بالحلال و بالحرام، الربا والبيع عندهم سواء، والغصب والميراث قرناء، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى، بإفراد الله وحده بالعبادة وعدم الإشراك بالله شىء وبينَ لهم أن الله المعبود بحق لا يوصف بصفات البشر فهو الخالق وما سواه مخلوق وهو الموصوف بالصفات التى تليق به فهو الأول قبل كل شىء والله الموجود قبل الكل بلا مكان ولازمان ولا جهة ولا يحتاج إلى شىء بل الكل محتاج إليه قال تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً [الأنعام:151]، وإفراد الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتباع، قال تعالى: وَمَا ءاتَٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ [الحشر:7].
جاء نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى العفاف والطهر والخلق الكريم والإستقامة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المظالم والمحارم، ويدعوهم إلى التحاكم إلى الكتاب العزيز، لا إلى الكهان وأمر الجاهلية، وكسب المال من وجوه الحلال، وإنفاقه في الطرق المشروعة والمباحة، وجعل الناس كلهم أمام شريعة الله سواء، يتفاضلون بالتقوى، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَٰناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وقال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .[النحل:90].
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى هذا المعنى العظيم، وقام بهذا الواجب الكبير، دعا إلى دين قويم يرقى به الإنسان إلى أعلى المنازل، ويسعد به في الآخرة سعادةً أبدية في النعيم المقيم، فاستجاب له القلة المؤمنة المستضعفة في مكة، فأذاقهم المشركون أنواع العذاب، كالحرق بالنار وإنزال أشد ألوان العذاب، واشتد الكرب في مكة، وضيّق الخناق على المسلمين المستضعفين، وائتمر المشركون بمكة أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورصده المشركون عند بابه ليضربوه ضربة رجل واحد، فخرج عليه الصلاة والسلام عليهم وهو يتلو صدر سورة " يس"،وذرَّ على رؤوسهم التراب، وأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يروه، وأخذهم النعاس ولجأ هو وصاحبه أبو بكر الصديق في غار ثور ثلاثة أيام حتى هدأ الطلب، وفتشت قريش في كل وجه، وتتبعوا الأثر حتى وقفوا على الغار، فقال أبو بكر: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!" أي ان الله تعالى مطلع علينا لاتخفى عليه خافية ثم يمَّما نحو المدينة، فكانت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نصراً للإسلام والمسلمين، حيث أبطل الله مكر المشركين وكيدهم في تقديرهم القضاء على الإسلام بمكة، وظنهم القدرة على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].
إن حادثة هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تمد المسلمين بالعبر والعظات والدروس والتوجيهات، وقد شاء الله تعالى أن تكون بأسباب مألوفة للبشر، يتزود فيها للسفر، ويركب الناقة، ويستأجر الدليل، ولو شاء الله لحمله على البراق، ولكن لتقتدي به أمته بالصبر والتحمل لمشقاة الدنيا والعمل الدؤب للأخرة التى هي العقبى، فينصر المسلم دينه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن حال المسلمين في العالم حريَ بالاستفادة من معاني الهجرة النبوية المباركة، بفهم أمر الدين والفصل بين الدين الحق وأهله وبين المتاجرين المتطرفين المنفرين عن الدين بأساليب وفتاوى ليس لها في الدين من أصل بل تخالف الدين، في ذكرى الهجرة المباركة علينا أن نعلم أن الدين الإسلامي دين علم وعمل وثقافة ومعرفة ودعوة للحق مؤيدة بالبراهين العقلية والنقلية المنورة للقلوب فلن يصلح حال المسلمين في هذا العصر إلا بالأمور التي صلح بها السلف الصالح من العلم والمعرفة الصحيحة لدين الله والتحذير من المضللين أصحاب الفتاوى السيئة التى جلبت الويلات للمسلمين، وبالخلق الكريم، والصدق مع الله، والتوكل عليه، والصبر على المكاره، وإحسان العبادة، على وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة، قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" نسأل الله تعالى أن تكون هذه السنة الهجرية بركة وخيرأ يعم البلاد والعباد وكل عام وأنتم بخير.
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه حملة الأمانة وقادة الفتح والنصر المبين.
إعداد : نسمة حسن – البوابة الالكترونية .